الإمام الأكبر بالحلقة الثامنة من برنامج “الإمام الطيب”: القوامة قضية تكامل وتعاون بين وظائف ومسؤوليات الرجل والمرأة

 

متابعة راندا جعفر
قال فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن مفهوم القوامة كما ورد في القرآن الكريم، تعرض لسوء فهم واضطراب شديدين عبر مراحل وقرون سابقة، فهمت فيها «قوامة» الزوج على الأسرة فهماً انتصر للعادات والتقاليد البالية على حساب النصوص الشرعية ومقاصدها وتوجيهاتها، مضيفا أنه وحتى عهد قريب، عرفنا ما يسمى ببيت الطاعة، وهو بيت كانت ترد إليه الزوجة الكارهة رغم أنفها، وتساق إليه -وهي كارهة- لتعيش -راغمة- مع زوج لا تطيق رؤية وجهه، وبأحكام قضائية نافذة، بل وفتاوى رسمية حسبت على الإسلام وشريعته ظلما وزورا، وذلك في الوقت الذي لم تكن فيه الزوجة تعلم شيئا عن حقها الشرعي، وأعني به حق «الخلع». أو: الاختلاع من الزوج المتعسف في إمساكها وحبسها رغم أنفها، وهو حق أعطته «الشريعة» للزوجة التي تكره زوجها وتريد فراقه، في مقابل حق «الطلاق» الذي منحته للزوج الذي يكره زوجته، ويريد فراقها، وهنا ألفت النظر إلى هذه المساواة البالغة الدقة بين الزوج وزوجته في الحقوق والواجبات: فإذا كان من حق الزوج أن يطلق زوجته، مع الالتزام بأداء كل ما يثبت لها من حقوق، فكذلك من حق الزوجة أن تخلع زوجها مع الالتزام بأداء كل ما يثبت لها من حقوق. وأوضح شيخ الأزهر، خلال الحلقة الثامنة من برنامج “الإمام الطيب”، أنه وبالرغم من أن باب الطلاق وباب الخلع بابان متجاوران في كتب الفقه التي تدرس لطلاب الأزهر الشريف منذ قديم الزمن وحتى يومنا هذا، إلا أن أحكام الشريعة المتعلقة بحق «الخلع» لم يكن لها حضور مؤثر، لا في دور الإفتاء، ولا في لجان الفتوى الشرعية، ولا في ساحات القضاء، وكان الخلع السائد في ذلكم الوقت هو الخلع بالتراضي، أي: الخلع الذي يتوقف إمضاؤه على رضا الزوج، فإن شاء أمضاه، وإن شاء أبقى زوجته في عصمته، والخلع بهذا التفسير لا شك يحرم المرأة من حقها الشرعي في تحرير نفسها من قبضة الزوج المتعسف، وقد ظل الأمر مرهونا برضاء الزوج إلى أن صدر القانون رقم (1) لسنة 2000م، الذي أعاد للزوجة حقها في الاختلاع من زوجها وطلاقها منه طلقة بائنة، رضي الزوج أو لم يرض، مضيفا أنه من الطبيعي أن تنحو موضوع «القوامة» في الأسرة منحى يتسق ومنطق العادات والتقاليد وتسلطاتها الفكرية والسلوكية، بقدر ما تبتعد فيه عن عدالة الشريعة وتوازنها في توزيع الحقوق والواجبات بين الزوجين. حتى أصبح من المعتاد -في ظل هذا المفهوم- إجبار الزوجة على العيش مع من تكره. وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى أن توزيع المسؤولية بالتساوي بين الزوجين، بمعنى أن كلا منهما يشاطر الآخر ويقاسمه في كل أمر من أمور الأسرة، من غير أن يستقل أحدهما بالقرار الأخير – هذا الافتراض هو الهلاك بعينه، لا للأسرة التي يتصور فيها هذا النظام فقط، بل لأي اجتماع بشري يقوم على حقوق وواجبات يتضمنها عقد ملزم لأفراد هذا الاجتماع، لم يحدث أن ظهرت في التاريخ دولة لها رئيسان أو ملكان أو حاكمان، كل منهما مستقل بالسلطة ومتفرد بالقرار، ولم يحدث -أيضا- أن ظهر في التاريخ جيش له قائدان ذوا رتبة واحدة، لكل منهما ما للآخر من حق اتخاذ القرار وإصدار الأوامر، مشددا على أن هذه حقيقة من الحقائق التي يثبتها العقل والحس والواقع، وهي في القرآن الكريم تسمو لمرتبة الدليل العقلي الذي يستدل به على وحدانية الله تعالى، وحدة مطلقة، وذلك في قوله سبحانه: {لو كان فيهما [أي: في السماوات والأرض] آلهة إلا الله لفسدتا}، وإذن فلا معنى لافتراض تقاسم «القوامة» بالسوية بين الزوجين؛ لأنه لا يعدو أن يكون وهما من الأوهام. واختتم فضيلته الحلقة الثامنة بأنه وللتدليل على فساد إسناد «القوامة» إلى الزوجة دون الزوج، يتعين أن نعرف معنى «القوامة» ليتبين لنا أنها في أبسط معانيها، إنما تعني «مسؤولية قيادة الأسرة»، ومعلوم أن لكل قيادة عامة أو خاصة شروطا ومؤهلات خاصة، وأن من أهمها لقيادة الأسرة: القدرة على مواجهة مشكلات الأسرة، وحمايتها من الاضطرابات والعواصف التي لا تنجو منها أسرة من الأسر.. وهنا نتساءل: أي الزوجين أقدر على قيادة الأسرة التي تشبه سفينة تبحر بين صخور: الرجل كما نعرفه أم المرأة كما نعرفها؟ وأقصد: الرجل والمرأة كما هما في واقع الناس وعلى الأرض، وكما نراهما رأي العين في مشارق الأرض ومغاربها؟! وليس الرجل والمرأة من منظور «المساواة المطلقة» التي توشك أن تدمر كلا منهما وتقضي على النوع الإنساني قضاء مبرما، مبينا أن قضية القوامة ليست قضية تميز في جانب، ودونية في جانب آخر، كما يريد دعاة المساواة المطلقة، وإنما قضية تكامل وتعاون بين وظائف ومسؤوليات لا تتفاضل هي الأخرى، وإنما تتعاون وتتكامل أيضا، موضحا أن الشريعة الإسلامية قد اتهمت ظلما بانها قد أعاقت المرأة، وقعدت بها عن أن تكون ملكة أو رئيسة جمهورية، أو قائدة جيش، ولولا هذه التشريعات لكانت المرأة -اليوم- شقيقة الرجل في هذه الميادين جنبا إلى جنب، ولكن ما السبب الذي قعد بأختها غير المسلمة عن شغل الوظائف الكبرى في أكبر دول العالم تحضرا وتقدما وقوة وبأسا؟! ولماذا لا نرى حتى اليوم امرأة رئيسا لأقوى دولة في العالم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الحضارة التي انتهت إليها حضارات التاريخ قديما وحديثا فيما يزعم أبناؤها! وأين هي رئيسة ثاني أقوى دولة في العالم وهي دولة الصين؟ وأين رئيسة اليابان وروسيا وفرنسا وغيرها؟.

  • Related Posts

    علي جمعة: القلوب القاسية قد تنفجر منها ينابيع الرحمة

    كتبت هاجر عبد العليمقال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان قلوب البشر ليست واحدة، فقد يكون القلب غليظًا قاسيًا ، وقد يكون رقيقًا لينًا، قال تعالى:…

    انطلاق ثاني أيام امتحانات النقل لطلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية

    كتبت هاجر عبد العليميؤدي طلاب النقل بالمرحلتين الإبتدائية والإعدادية الأزهرية بمحافظة الشرقية، اليوم الخميس، ثاني أيام امتحانات الفصل الدراسي الثاني، على مستوى 17 إدارة تعليمية بنطاق المحافظة، وسط تطبيق كافة…

    اترك تعليقاً

    فاتك

    النائبة مرفت عبد النعيم تطالب بإدراج قرية قلفاو العمره ومنطقة سيتي ضمن خطة الصرف الصحي في أولى مشاركاتها البرلمانية

    • من watan
    • مايو 13, 2025
    • 20 views
    النائبة مرفت عبد النعيم تطالب بإدراج قرية قلفاو العمره ومنطقة سيتي ضمن خطة الصرف الصحي في أولى مشاركاتها البرلمانية

    مشاجرة عنيفة بسبب أولوية المرور في مركز ساقلته بسوهاج.. إصابات وفتح تحقيق رسمي

    • من watan
    • مايو 13, 2025
    • 28 views
    مشاجرة عنيفة بسبب أولوية المرور في مركز ساقلته بسوهاج.. إصابات وفتح تحقيق رسمي

    محافظ سوهاج يُقرر تشكيل لجنة لفحص كافة أعمال وتعاقدات نادي المحليات

    • من watan
    • مايو 13, 2025
    • 42 views
    محافظ سوهاج يُقرر تشكيل لجنة لفحص كافة أعمال وتعاقدات نادي المحليات

    إسكان النواب» تستمع لمستأجري الإيجار القديم اليوم.. ووزير الأوقاف السابق يوضح موقفه من القانون

    إسكان النواب» تستمع لمستأجري الإيجار القديم اليوم.. ووزير الأوقاف السابق يوضح موقفه من القانون

    قائمة الأهلي لمواجهة سيراميكا.. عودة أشرف داري وغيابات بارزة بسبب الإصابة

    • من watan
    • مايو 13, 2025
    • 21 views
    قائمة الأهلي لمواجهة سيراميكا.. عودة أشرف داري وغيابات بارزة بسبب الإصابة

    انفجار أسطوانة غاز يصيب ربة منزل ونجليها في كرداسة.. تحقيقات مستمرة لمعرفة الأسباب

    • من watan
    • مايو 12, 2025
    • 27 views
    انفجار أسطوانة غاز يصيب ربة منزل ونجليها في كرداسة.. تحقيقات مستمرة لمعرفة الأسباب
    Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com