- الإعلانات -

زواج الاقارب وعلاقته بالعلاقة الذهنيه بين الطب والدين

0 410

- الإعلانات -

 

كتبت :- مارينا نوناي

تنتشر ظاهرة زواج الأقارب فى المجتمعات الشرقية بشكل كبير وبخاصة فى مصر، والظاهرة ليست وليدة الساعة وإنما تعود للقرون الأولى، وارتبطت بعدة أسباب منها، ملائمة الطرفين الشريكين، واستعداد الفتاة للدخول إلى عالم الزوجية بشكل أسهل لأنها أى “البنت” تعرف العائلة وهناك أسباب ترجع لطبيعة العائلة أنهم يتزوجون من بعضهم البعض ليحافظوا على نسل العائلة ولكن هناك العديد من الآراء الطبية التى تفيد بأن لزواج الأقارب دور فى إنجاب أطفال ذوى إعاقة ذهنية بل، وهناك من ينسب لزواج الأقارب الدور الأكبر والرئيسى فى إنجاب هذه الحالات، وهنا نعرض آراء ووجهات نظر مختلفة لأطباء وحالات شخصية عن زواج الأقارب، وكذلك نعرض رأى الدين فى هذه القضية.

رأى الأطباء حول زواج الأقارب وعلاقته بالإعاقة الذهنية

يرى دكتور ياسر مختار استشارى التخاطب أن لزواج الأقارب دور كبير فى ولادة حالات تأخر عقلى موضحا أن الجينات تكون متشابهة بين أبناء “العم أو الخال”، فكل فرد يشترك مع أعمامه وأخواله وعماته وخالاته فى ربع المورّثات، ويشترك مع أولادهم فى ثمن المورّثات، ومن هنا نستنتج أن نسبة التقاء المورّثات المرضية من الأب مع مثيلاتها من الأم ترتفع وبالتالى تزداد احتمالية انتقال الصفة المرضية للأولاد. بينما يقل عدد المورثات أو الجينات المتشابهة بين الزوجين فى حالة البعد فى القرابة.

وأوضح مختار أن احتمالية الإصابة بالأمراض الوراثية تزداد فى زواج الأقارب أكثر منها فى زواج الأباعد. وقد أثبتت معظم الدراسات المقارِنة بين زواج الأقارب وزواج الأباعد أن آباء الأطفال المُصابين بأمراض وراثية يرتبطون بعلاقة قرابة بدرجات مختلفة أكثر نسبيًا مقارنة بالأطفال المصابين من الذين لا توجد صلة قرابة بين آبائهم.

واتفق مع عاشور فى رأيه الدكتور عادل عاشور – مدرس طب الوراثة البشرية، حيث يرى أن زواج الأقارب يعد السبب الرئيسى فى ظهور الإعاقة الذهنية والتخلف العقلى فى مصر. مؤكدا أنه تأكد من ذلك بعد استغرقت 4 سنوات، أجراها على 100 حالة إعاقة ذهنية من مختلف المحافظات، وتبين أن 76 فى المائة منها ترجع إلى زواج الأقارب، وقال فى بحثه: إن الأمل فى الشفاء من الأمراض الوراثية يتم عن طريق أخذ المورثة المسببة للمرض بعد معرفة مكانها، واستبدالها بمورثة أخرى سليمة قادرة على القيام بالوظائف الطبيعية؛ وذلك عن طريق الخريطة الجينية، واكتشاف المرض مسبقا والقضاء عليه قبل ظهوره.

وأضاف أن من أشهر الأمراض الناتجة عن زواج الأقارب مرض (الفينيل كيتون يوريا)، وهو من أمراض التمثيل الغذائى الذى ينتج عن نقص فى أنزيم معين مسئول عن تكسير مادة الحامض الأمينى أو (الفينيل آلانين)؛ فتزداد نسبته فى الدم، ويسبب التخلف الذهنى، وصغر حجم الرأس، وتشنجات عصبية، واصفرارا فى لون الشعر، كما أن ارتفاع سن الإنجاب لكلا الزوجين – الرجل والمرأة – يأتى فى المرتبة الثانية للإصابة بهذه الأمراض بعد زواج الأقارب، فارتفاع سن الإنجاب يعطى الفرصة لتعرض أحد الزوجين لبعض التغيير أو الانحراف فى الجين الوراثى.

وفى سياق متصل، يرى الدكتور محمود على استشارى طب وجراحة أمراض الذكورة أن الإعاقات الذهنية بصفة عامة أيّاً كان سببها فإن الوراثة قد يكون لها دورٌ فيها، ولكن الجانب الإرثى يعتبر جانباً بسيطاً جدّاً، أى توجد جينات معينة قد تؤدى إلى إعاقة ذهنية، وهذه الجينات المعينة قد تنتقل من الإنسان إلى ذريته، ولكنها لا تنقل بالطبع إلى الإخوان أو الأقرباء الآخرين، وهذا الانتقال من الإنسان إلى ذريته يتفاوت، فهناك من يكون حاملاً لجينات مرضية معينة تؤثر على 50% من الذرية، وهناك جينات أخرى تؤثر على 25% من الذرية فقط، وهذه بالطبع لا يمكن تحديدها إلا بفحوصات مختبرية لدى الطبيب المتخصص فى علم الجينات.

وأضاف أنه رغم أن المرض يعبر عنه فى الأولاد وبنسبة 50% أو 25%، فهناك بعض الأطفال الذين لا يظهر عليهم المرض ولكنهم يكونون حاملين للجينات التى ربما تؤدى إلى المرض فى أولادهم، فحين ننظر إلى الشجرة الأسرية نجد هؤلاء الأطفال الذين يحملون هذه الجينات ولم تظهر عليهم الحالة المرضية حين يكبرون ويتزوجون إذا كان أحدهم يحمل الجينات فسوف يظهر المرض الجينى على جزء من أبنائه أيضاً يتراوح ما بين 25 إلى 50%.

وفى سياق متصل، يقول الدكتور أحمد شوقى إبراهيم استشارى الأمراض الباطنية والقلب:”إذا نظر أى عالم نظرة متأنية فى أبعاد هذا الموضوع لوجد أن القول بأن زواج الأقارب يعطى الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية فى الذرية ليس قولا صحيحا فى كل الأحوال.. قد يكون صحيحا فى حالات معينة، ولكنه ليس صحيحا فى كل الحالات، وبالتالى لا ينبغى أن يكون قانونا عاما أو قاعدة عامة”.

وتابع:” وهكذا نجد فى النهاية حتى فى الأمراض المحكومة بجينات متنحية لا تفضيل لزواج الأقارب على زواج الأباعد، ولا لزواج الأباعد على زواج الأقارب.. ولو كان فى زواج الأقارب ضرر أكيد ما أحله الله تعالى لرسوله، وأشار إليه صراحة فى الزواج من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته.. ولكن إذا ثبت شيء من ذلك بالتحاليل الطبية أو الكشوفات والأشعات، أو بمعرفة الجينات الوراثية وطبيعة المرض ونحو ذلك، وأوصى الأطباء بالمنع من الزواج من القريبة فى صورة مخصوصة، وليست قاعدة عامة – فلا حرج فى ترك نكاح هذه المرأة القريبة بعينها .

أما أن يتخذ ذلك قاعدة عامة، ينهى بها عن كل نكاح الأقارب، خشية الأمراض الوراثية المتوهمة، فهذا تصرف غير صحيح.

وترى دكتور رشا منصور حامد رئيسة مجلس إدارة جمعية أبطال التحدى أن انتقال الصفة الوراثية المتنحية قد يستمر من جيل إلى جيل دون التقاء زوجين يحملان الجين نفسه المسبب للمرض، فإذا تزوج شخص من ابنة عمه، وكان لهما عم مصاب بمرض وراثى متنحٍّ نادر مثل مرض “الفينيل كيتونيوريا” – أحد أمراض التخلف العقلى- فإن نسبة ظهور المرض فى أبنائهم تكون 1/36 وهذه النسبة ليست بالخطورة التى يتصورها البعض .

زواج الأقارب لا يتسبب فى الإعاقة الذهنية فقط

يرى دكتور أحمد حسين أخصائى الأمراض العقلية أن زواج الأقارب من أهم أسباب التخلف العقلى، ويُعتبر كرموسوم “x” الهش أهم سبب وراثى للتخلف بعد مرض “داون”، بل قد يكون أهم منه؛ لأن احتمال تكراره فى الأسرة أكثر من مرض “داون” بسبب انتقاله من الأم التى تحمل المرض – وقد لا تظهر عليها الأعراض- إلى 50% من أبنائها الذكور، بينما 50% من بناتها الإناث حاملات للمرض. هذا بالإضافة إلى أمراض أخرى مثل أنيميا البحر الأبيض المتوسط، وحامل هذا المرض لا تظهر عليه الأعراض، ولكن يمكننا التأكد من التشخيص بإجراء تحاليل متخصصة مثل الفصل الكهربائى للهيموجلوبين. وهناك أيضًا أمراض اختلال التكوين الجنسى، ويتم اكتشافها أحيانًا فى الشهور الأولى عند ملاحظة عدم اكتمال تكوين الأعضاء التناسلية وصعوبة تحديد نوع الجنين، وأحيانًا يُكتشف عند تأخر الطمث عند الإناث أو البلوغ عند الذكور، وتتمثل أهم أنواع الاختلال الجنسى فى الإصابة بمرضين متعلقين بالخنوثة هما التخنث الذكرى الكاذب (الخنوثة الكاذبة الذكورية)، والتخنث الأنثوى الكاذب (الخنوثة الكاذبة الأنثوية) والتخنث الحقيقى، وهناك أيضًا مرض “تيرنر” ويتسبب فى عدم حدوث الطمث، وتولد الأنثى المصابة به صغيرة الحجم، ولا يحدث نمو للثديين ولا تنجب حتى لو حدث طمث بعد العلاج بالهرمونات. إضافة إلى مرض “كلَينفلتر”، الذى يُعَد من أهم أسباب العقم عند الرجال. وكذلك أمراض القلب والدم لكن هذه الأمراض تحتاج لمتخصصين للتحدث عن تفاصيل انتقالها للجنين”، وهذا عكس الاعتقاد الخاطئ عند أغلب الناس أن زواج الأقارب له دور فى نقل الإعاقة العقلية فقط للأبناء.

حالات زواج الأقارب عانت من إنجاب أطفال ذوى إعاقة ذهنية

فوزى غبريال الذى لديه ابن من ذوى الإعاقة الذهنية، حيث أكد أن ابنه رومانى يعانى من تأخر ذهنى بسيط مصاحب بصعوبة فى التكلم لكنه يتعامل بشكل شبه طبيعى مع أسرته ويفهم إلى حد ما الكلام الموجه إليه ويحاول تفسيره وتحليله لكن بالطبع ليس بالشكل الطبيعى المتعارف عليه عند باقى الناس.

وأوضح والد رومانى أن نجله على هذه الحالة منذ ولادته وأنه ليس الأول فى الأسرة بل إنه كان له أخ يكبره بخمس سنوات يسمى مينا وكان يعانى من نفس الإعاقة الذهنية التى أصابت رومانى، لكنه توفى منذ سنوات.

وعن رحلة أبنائه مع الإعاقة وهل لجأ للطب، قال إنهم ليسوا بميسورى الحال، ولا يستطيعون تحمل تكاليف الأطباء، موضحا أنه وزوجته أبناء عمومة وأن البعض أخبره أنه قد يكون سببا منطقيا أن يكون زواج الأقارب سببا فى هذه الإعاقة التى أصابت رومانى ومن قبله مينا.

أما ابراهيم رضا البالغ من العمر 66 سنة فيعيش برفقة أبنائه الثلاثة المصابين بإعاقة ذهنية وحركية، ويقول: “زواجى من ابنة عمتى كان سبباً رئيساً فى إنجابنا لأبناء من ذوى الاحتياجات الخاصة، نحن أمّيون ولا نعرف شيئاً ولم نتخذ الإجراءات الطبية اللازمة”.

يُضيف إبراهيم فى السياق ذاته، “لم نكن نعرف أنا وزوجتى تداعيات زواج الأقارب على الأبناء”. توفيت زوجة ابراهيم قبل ثلاث سنوات، ليتحمّل بمفرده مسؤولية أبنائه الثلاثة، ومنذ وفاة زوجته، تضاعفت معاناته، قائلا:”أنا المسؤول الوحيد عن رعايتهم، لأنهم لا يستطيعون التحرك، أحملهم على كتفى وأضعهم على الكرسى المتحرك لأطعمهم.. أنا كل شىء بالنسبة لهم”.

الحال ليس مختلفا لدى ام إسلام المرأة البسيطة أم لطفل وحيد هو إسلام، الذى يعانى إعاقة ذهنية وجسدية، وتقول: “خلال فترة الحمل، لم أقصد طبيباً، ولم أكن على دراية بأنه من المفترض أن أجرى فحوصات”. ويمضى إسلام البالغ من العمر سبع سنوات وقته ممددا على السرير، لعدم قدرته على الحركة.

وأوضحت أنها ووالد ابنها أبناء عم، قائلة:”تحث تقاليد العائلة على الزواج من داخل العائلة، فالزواج برجل من خارج العائلة يُعدُّ أمراً مرفوضاً”. معتبرةً أنّ هذه التقاليد والعادات التى ترفض زواج الفتاة من خارج العائلة، سببا رئيسا فى عجز ابنها، مشيرة إلى أن زوجها يعايرها لأنه يعتقد أنه سليم وأنها هى من تسببت فى إعاقة الابن.

حال إسلام يتشابه كثيرا مع حمادة محمد حسن صاحب الـ 33 عاما الذى يعانى من تأخر ذهنى، حيث كان نموه طبيعيا ولكن بعد عامين ونصف من ولادته لاحظ والداه أنه يتحدث بصعوبة جدا وكلامه قليل وغير مفهوم، مقارنة بغيره من الأطفال فى ذلك الوقت عاشت أسرته معاناة ومأساة بلغت خمس سنوات كامله لمحاولة إيجاد الشفاء له ودمجه فى المجتمع وبعد فترة طويله من تناوله العلاج رغم إعاقته بالقصور فى العقل أصبح ينطق بالكلام ويتحدث جيدا .

وكشف محمد حسن والد حمادة أنه تربطه صلة قرابة بزوجته، معتبرا أن هذه الإعاقة قدر من عند الله وأن زواجه من والدة حمادة كان بالاتفاق مع عمه قبل أن يتم عامه الـ 13 وان من طبيعة أهل القرية كباقى قرى مصر أن يكون القريب أولى وعلل أن أغلب أهالى القرية يفضلون زواج الأقارب، وجميعهم تقريباً لديهم العديد من الأولاد والبنات بشكل طبيعى لا يعانون من أى مرض أو إعاقة، قائلا:” فى الأول والأخير هذا اختبار من عند الله وأنا صابر وراضى بأمر الله”.

ومن جانبه، يقول عبد العزيز سيد والد حالتين من الإعاقة الذهنية، أحمد وعمر إنه عند ولادة أحمد الابن الأكبر كان لا يظهر عليه أى ملامح تشير إلى إصابة نجله بالتأخر الذهنى وكان هذا قبل أن يتم شهره الثانى، لكن بعد ذلك ظهرت عليه المؤشرات بشكل متوالى بداية من تأخر الوقوف مرورا بتأخر القدرة على الجلوس نهاية بضعف فى السمع كل هذه المؤشرات ظهرت عليه ولكن مع عدم الدراية وقلة الخبرة لم يخطر ببالى أو ببال الأم أنه يعانى من إعاقة أو شىء مختلف عن باقى الأطفال إنما هذه الأعراض قد تكون طبيعية ومع الوقت سيكتسب ابنى المهارات التى يفتقدها الآن، ولكن للأسف الشديد كان الوقت يمضى ولا تتحسن حالته بل تشتد سوء حتى وصل لعمر عامين وهو يعانى من صعوبة فى التكلم وصعوبة فى القدرة على السمع وصعوبة فى الفهم والاستيعاب.

وتابع عبد العزيز:”لم نذهب به إلى طبيب حتى ذلك الوقت ولعل ذلك ليس بسبب الإهمال الزائد بحالة أحمد إنما يرجع الأمر أيضا لضعف الإمكانيات الطبية فى ذلك الوقت، فالقرية التى كنا نعيش بها كانت تفتقر للأطباء المتخصصين فى هذه الحالات لكن بعد أن بدأت حالة أحمد فى التدهور وكان هذا بعد بلوغه عامه الرابع.. اضطررنا للسفر به لأطباء داخل وخارج المنيا فعرفنا حالته وإنه مصاب بتأخر عقلى وأنه يحتاج لمعاملة خاصة فى التربية والتعامل معه يكون بحذر شديد”.

وتابع الأب قائلا:” أما بالنسبة لحالة عمر فأكمل عامه الـ16 منذ شهرين.. وولد عمر بإعاقة ذهنية مثله مثل أخيه، ولكن الفارق هنا هو الاهتمام الذى قمنا به فى حالة عمر، فمنذ الشهور الأولى وقبل أن يظهر عليه أى حالات ذهبنا به لأطباء لمعرفة إن كان به أى شىء غير طبيعى فيتم علاجه مبكراً ولكن نظرا لصغر سنه لم يظهر عليه أى اختلاف، ولكننا قررنا أنا وأمه أننا لن نطمئن بعد رأى الطبيب، وأننا يجب أن نكرر الاستعانة بالأطباء مرة أخرى حتى ولو لم يظهر عليه أى مؤشرات، خصوصا وأن فى وقتها كان قد تقدم الطب وتنوعت التخصصات، الأمر الذى كان يمثل صعوبة شديدة فى حالة أحمد، ولكن فى ذلك الوقت أصبح الأمر أكثر سهولة.

وقال عبد العزيز: “كنا ننتظر ظهور الحالات على عمر، وكأننا متيقنين بأنه سيصاب بإعاقة ذهنية، نظرا لتعلق حالة أخيه بذاكرتنا، ولسبب وجود صلة القرابة بينى وبين أمه، الأمر الذى كان لا يمثل قلقا عند الزواج، ولكن مع مرور الزمن وتطور الطب ووجود أحمد كمثال حى عرفنا أن لهذا الأمر سببا أو جعله الله سببا لولادة أحمد بإعاقة ذهنية وانتظرنا أن نتأكد من حالة عمر بنفس الإعاقة، وكما هو متوقع ظهرت الأعراض نفسها على عمر، فتأخر فى القدرة على الجلوس وتأخر فى القدرة على الحبو والمشى، ولكن الفارق أنه كان تحت إشراف طبيب متخصص، كنا نكشف له أسبوعيا، وكان يكتب لنا العلاج الذى يجب أن يمشى عليه، وبفضل الله أستطاع أن يمشى بعدها بفترة ليست بالطويلة.. كان يعانى عمر من صعوبة فى الفهم والاستيعاب مثله مثل أخيه مصحوبا بصعوبة تكلم، ولكن كان يتم عرضه على أطباء متخصصين فى التخاطب، وكان هذا قبل أن يكمل عامه الثالث واقترح الأطباء ضرورة التحاقه بمدرسة خاصة بالتأخر الذهنى وسرعان ما ألحقناه بالمدرسة الأمر الذى أصبح فى المتناول.. لا سيما وإننا انتقلنا للعيش فى المدينة نظرا لطبيعة عملى، وبعد التحاق عمر بالمدرسة ومتابعته مع الأطباء تحسنت حالته تدريجياً وتحسنت قدرته على التكلم بعد أن كان يعانى من صعوبة فى التفوه بأى حرف.

وأرجع والد أحمد وعمر إعاقة ابنيه لصلة القرابة التى تربط بينه وبين ووالدتهما، حيث كشف عبد العزيز أنه تزوج من ابنة عمه الوحيد وكان ذلك بسبب أنه كان يعمل مع عمه وكان يعتبره مثل أبيه وأن عمه زوجه ابنته ليكون سندا وعونا لابنته بعد مماته، موضحا أن زواج الأقارب منتشر بشكل كبير وخاصة فى القرى لكن إن كان الطب أوضح أنه سبب لتوريث الأمراض للأطفال فيجب أن يتوقف وأن يكون هناك من يكشف ويوضح للناس خطورة هذا الأمر فمهما كان من مميزات لزواج الأقارب ليس هناك أهم أو أغلى من الأبناء.

ومن جانبها تروى أم ميرنا تفاصيل حالة ابنتها التى تعانى من إعاقة ذهنية، وتقول “العائلة كلها زواج أقارب، وميرنا ليست الحالة الوحيدة، وأن كل أسرة فى العائلة بها طفل لديه إعاقة ذهنية وبعد زيارة العديد من الأطباء وجلسات وأدوية ليس هناك فائدة، الموضوع ليس مقتصرا على الإعاقة الذهنية فى إعاقة فى رجلها، وفى النطق بعض الكلمات صعب أن تنطق.. ميرنا دلوقتى عندها 20 سنة مقدرتش تكمل فى المدرسة بسبب التنمر الذى كانت تتعرض له، فكان آخرها الصف السادس الابتدائى.. أنا أتركها تطلع الشارع وتتعامل حتى أكسر حاجز الخوف من الناس بداخلها.. لكنى أعانى من نظرات الناس الجارحة.. وكأننى كنت سببا..أنا للأسف لم أتعلم بالقدر الكافى الذى يجعلنى أفهم عواقب الجواز من القريب”.

حالات زواج أقارب لم يعانى أبناؤهم من أى إعاقات

على عكس هذه الحالات، أحمد صابر رجل فى عمر الأربعين له ولد وبنت الولد محمد فى الصف الثانى الثانوى والبنت ندى فى الصف الأول الإعدادى ورغم من زواجه من ابنة خالته إلا أن أبناءه لا يعانون أى نقص من الناحية العقلية أو الجسمانية بل على العكس فمحمد على حسب كلام والده متفوق دراسيا وكذلك ابنته شديدة التفوق وعادة ما تصنف من أوائل المدرسة وعلى ذلك فإنه لا يمكن الجزم بأن إنجاب أطفال ذوى الإعاقة هو شىء حتمى ما دام الأبوين من الأقارب لكن لكل قاعدة شواذ ولا يوجد شىء حقيقة مطلقة فى هذه الزاوية إنما هى أقدار من الله أولا وأخيرا.

آراء حول زواج الأقارب بنظرة عامة

أحمد سرى هو أحد الشباب الذين لم يقبلوا بعد على الزواج يرى أن زواج الأقارب له مميزات إضافية منها يضمن الزوجان توافر المعلومات عن بعضهما، حيث يملك كل طرف من أطراف العلاقة معلومات كثيرة عن ماضى الطرف الآخر وعن عاداته وسلوكه وطبيعة شخصيته، كما قد تصل المعلومات التى يوفرها الوسط الاجتماعى المشترك إلى أدق تفاصيل الحياة؛ ماذا يحب وماذا يكره، وهذا يسهل عليهم فهم بعضهما البعض دون أخذ وقت طويل لفهم كل منهما الآخر.

محمد فؤاد 34سنة متزوج من ابنة عمه فضل زواج الأقارب عن الزواج من خارج العائلة، معللا أن كثير من الشباب وهو منهم عندما يبلغون سنا معينا أول من يتعلق قلبه بها تكون من العائلة ابنة عمه أو ابنة عمته، وتكون هى حبه الأول وأول من يفكر بها لتشاركه حياته الزوجية نظرا لمعرفته بها وبسلوكها وتربيتها عن قرب منه، كما أن من ناحية الأطفال بما أن الزوجين من بيئة متشابهة إن لم نقل متطابقة، فهما بالتالى يحملان عقلية متقاربة إلى حد بعيد من الناحية التربوية على الأقل، كما أنهما غالباً ينظران إلى القيم الاجتماعية والدينية نظرة متشابهة.

تفادى الإعاقة الذهنية قبل الزواج

وفيما يخص تفادى حدوث الإعاقة الذهنية لأبناء زواج الأقارب، تقول الدكتورة سامية التمتامى رائدة علم “الوراثة البشرية” المقبلين على الزواج يحصلون على شهادة بسلامتهم لإتمام الزواج دون حرص منهم على إجرائها، وعلى مستوى المركز القومى للبحوث، وتحديدًا شعبة الوراثة البشرية، نقوم بعمل شجرة العائلة لكل من الشاب والفتاة، ونسأل عن الأب والأم والأشقاء والجد والجدة والأخوال والأعمام، ويلى ذلك إجراء فحص إكلينيكى كامل على كل أجزاء الجسم، ثم إجراء تحاليل دم وتحليل مرض “الثلاسيميا”، الذى تصل نِسَب إصابة حاملى المرض به بين المصريين إلى حوالى 10%.

وتابعت رائدة علم الوراثة البشرية: “فى حالة اكتشاف أن المقبلين على الزواج حاملين للمرض نصارحهم ونخبرهم بما يجب عليهم فعله قبل الحمل وفى أثناء الحمل، ثم نُجرى دراسةً وتحليلًا للكروموسومات من عينات الدم؛ لأن هذه التحاليل تكشف وجود أى خلل فى عدد الكروموسومات أو تركيبها، مع ملاحظة أن تحليل الكروموسومات لا يعنى دراسة الجينات، كما يعتقد البعض؛ إذ إن عدد الكروموسومات فى كل خلية 46 كروموسومًا يمكن رؤيتها بالفحص الميكروسكوبى بالتكبير إلى ألف مرة، فى حين يبلغ عدد الجينات فى كل خلية حوالى 20 ألفًا ولا يمكن رؤيتها بالميكروسكوب، كما أن تحليل الكروموسومات لا يُظهر إلا العيوب الخاصة بعدد الكروموسومات أو تركيبها وهذه عددها قليل، مقارنة بالأمراض التى تورث نتيجة عيوب فى الجينات دون أن يصاحب ذلك تغيُّر فى الكروموسومات والتى يزيد ما عُرف منها عن 6 آلاف مرض. ومن هنا تأتى أهمية الاستشارة الوراثية وشجرة العائلة، إضافة إلى إجراء الفحوصات.

وأضحت مدى أهمية الاستشارة الوراثية للحد من الأمراض الوراثية، قائلة: “تنتقل الصفات الوراثية -سواء كانت طبيعية أو مرضية- من جيل إلى جيل عن طريق الكروموسومات؛ إذ يحدث إخصاب لبويضة الأم التى تحمل نصف عدد الكروموسومات ونصف الجينات عن طريق خلية ذكرية (حيوان منوي) تحمل نصف عدد الكروموسومات والجينات من الأب، وأى صفة فى الفرد يحددها عاملان وراثيان مصدرهما الأم والأب، ويتحدد ظهور الصفة على نوعها، فإذا كانت سائدةً تظهر بمجرد وجود عامل وراثى فقط، وإذا كانت متنحيةً لا تظهر إلا بوجود عاملين وراثيين يحددان الصفة. وبدراسة طرق انتقال الأمراض الوراثية من جيل إلى جيل تتضح طرق توارثها، وبالتالى تُعرَف احتمالات ظهورها فى الأجيال القادمة.

وفسرت ارتباط زواج الأقارب بالأمراض الوراثية بأن نسبة التطابق فى الجينات بين أى شخصين تكون صفرًا إلا فى حالة التوائم من بويضة واحدة، أى التوائم المتماثلة وتصل نسبة التطابق 100%، ومع انتقال الجينات من الأب والأم إلى الأبناء فإن نسبة التماثل فى الجينات بين الأب أو الأم والأبناء تكون 50%، وتختلف نسبة التشابه فى الجينات وفق درجة القرابة، فهى بين الأشقاء 50% أيضًا، وبين الفرد وجده وخاله وعمه 25%؛ وبين أبناء العم أو الخال 12.5%. ولذلك لا فرق فى خطورة زواج الأقارب بين أولاد العم وأولاد الخال. وهذا التشابه فى الجينات يفسر احتمال تَشابُه الجينات المرضية، مما يسبب ظهور الأمراض الوراثية المتنحية فى أبناء الأزواج الأقارب، فكل فرد طبيعى يحمل ضمن جيناته على الأقل من 5 إلى 6 جينات تسبب ظهور الأمراض الوراثية متنحية، وإذا اجتمعت تلك الجينات لدى الزوج والزوجة يظهر المرض فى الأبناء، وتزيد احتمالات ظهورها فى الزوجين فى حالة الأقارب، وتزداد احتمالات ظهورها وفق درجة القرابة.

رأى الدين فى زواج الأقارب

شرع الله تعالى النكاح، وجعله من سنن المرسلين، وذلك لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، كتكثير الأمة، وخروج العلماء والمجاهدين والصالحين والمتصدقين، وتقوية أواصر الروابط والمحبة بين المسلمين بالنسب والمصاهرة، مع ما فيه من السكن والمودة والرحمة التى تكون بين الزوجين .

ولم تأت آية أو حديث صحيح فى المنع من زواج الأقارب، بل جاءت الأدلة الشرعية بخلاف هذا، وقال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا النَّبِى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِى آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ) (الأحزاب50)

وقد تزوج النبى صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضى الله عنها ، وهى ابنة عمته ، وزَوَّج ابنته فاطمة من ابن عمه على بن أبى طالب رضى الله عنهما ، مما يدل على أنه لا حرج من زواج الأقارب .

وعلى هذا ، فمنع زواج الأقارب ، أو القول بأنه سبب لانتشار الأمراض أو وجود جيل مشوه أو مريض ، كلام غير صحيح .

نعم ، قد يوجد فى زواج الأقارب ـ أو غيرهم ـ ما يسبب شيئاً من ذلك ، ولكنه ليس أمراً غالباً، بل يبقى فى حدود القليل أو النادر .

- الإعلانات -

ويقول الشيخ بن باز إنه لا ينبغى للمؤمن أن يلتفت إلى أقوال الأطباء أو غيرهم فى كل ما يخالف الشرع المطهر، فالشرع مقدم على الأطباء وعلى غير الأطباء.. والزواج من الأقارب أمرٌ مطلوب وفيه فائدة كثيرة فى صلة الرحم، فى تقارب الأقارب، وتعاونهم على الخير، وكثرة النسل فيهم، فلا ينبغى أن يلتفت إلى هؤلاء، لكن من كان من الأقارب سيئ السيرة هذا له بحث آخر، إذا كان سيئ السيرة أو البنت سيئة السيرة، أو هناك أمراض يخشى منها فى نفسه فى الأسرة التى يريد الزواج منها فلا مانع من اختياره غيرها والاحتياط.

أما مجرد النهى عن نكاح الأقارب فهذا خطأ لكونه يدعى أن الزواج من الأقارب أمر مرغوب عنه، فهذا خطأ ومنكر، فقد تزوج النبى ﷺ من أقاربه، ومن بنات عمه، فأم حبيبة بنت أبى سفيان ابنة عمه.

وتابع أن المقصود بأن القول بالتزوج من الأقارب أمرٌ مرغوب عنه هذا قول باطل لا ينبغى أن يلتفت إليه بالكلية إلا لعذر شرعى من سوء السيرة، أو مرض يخشى منه فهذا له وجه.

واتفق مع عاشور فى رأيه الدكتور عادل عاشور – مدرس طب الوراثة البشرية، حيث يرى أن زواج الأقارب يعد السبب الرئيسى فى ظهور الإعاقة الذهنية والتخلف العقلى فى مصر. مؤكدا أنه تأكد من ذلك بعد استغرقت 4 سنوات، أجراها على 100 حالة إعاقة ذهنية من مختلف المحافظات، وتبين أن 76 فى المائة منها ترجع إلى زواج الأقارب، وقال فى بحثه: إن الأمل فى الشفاء من الأمراض الوراثية يتم عن طريق أخذ المورثة المسببة للمرض بعد معرفة مكانها، واستبدالها بمورثة أخرى سليمة قادرة على القيام بالوظائف الطبيعية؛ وذلك عن طريق الخريطة الجينية، واكتشاف المرض مسبقا والقضاء عليه قبل ظهوره.

وأضاف أن من أشهر الأمراض الناتجة عن زواج الأقارب مرض (الفينيل كيتون يوريا)، وهو من أمراض التمثيل الغذائى الذى ينتج عن نقص فى أنزيم معين مسئول عن تكسير مادة الحامض الأمينى أو (الفينيل آلانين)؛ فتزداد نسبته فى الدم، ويسبب التخلف الذهنى، وصغر حجم الرأس، وتشنجات عصبية، واصفرارا فى لون الشعر، كما أن ارتفاع سن الإنجاب لكلا الزوجين – الرجل والمرأة – يأتى فى المرتبة الثانية للإصابة بهذه الأمراض بعد زواج الأقارب، فارتفاع سن الإنجاب يعطى الفرصة لتعرض أحد الزوجين لبعض التغيير أو الانحراف فى الجين الوراثى.

وفى سياق متصل، يرى الدكتور محمود على استشارى طب وجراحة أمراض الذكورة أن الإعاقات الذهنية بصفة عامة أيّاً كان سببها فإن الوراثة قد يكون لها دورٌ فيها، ولكن الجانب الإرثى يعتبر جانباً بسيطاً جدّاً، أى توجد جينات معينة قد تؤدى إلى إعاقة ذهنية، وهذه الجينات المعينة قد تنتقل من الإنسان إلى ذريته، ولكنها لا تنقل بالطبع إلى الإخوان أو الأقرباء الآخرين، وهذا الانتقال من الإنسان إلى ذريته يتفاوت، فهناك من يكون حاملاً لجينات مرضية معينة تؤثر على 50% من الذرية، وهناك جينات أخرى تؤثر على 25% من الذرية فقط، وهذه بالطبع لا يمكن تحديدها إلا بفحوصات مختبرية لدى الطبيب المتخصص فى علم الجينات.

وأضاف أنه رغم أن المرض يعبر عنه فى الأولاد وبنسبة 50% أو 25%، فهناك بعض الأطفال الذين لا يظهر عليهم المرض ولكنهم يكونون حاملين للجينات التى ربما تؤدى إلى المرض فى أولادهم، فحين ننظر إلى الشجرة الأسرية نجد هؤلاء الأطفال الذين يحملون هذه الجينات ولم تظهر عليهم الحالة المرضية حين يكبرون ويتزوجون إذا كان أحدهم يحمل الجينات فسوف يظهر المرض الجينى على جزء من أبنائه أيضاً يتراوح ما بين 25 إلى 50%.

وفى سياق متصل، يقول الدكتور أحمد شوقى إبراهيم استشارى الأمراض الباطنية والقلب:”إذا نظر أى عالم نظرة متأنية فى أبعاد هذا الموضوع لوجد أن القول بأن زواج الأقارب يعطى الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية فى الذرية ليس قولا صحيحا فى كل الأحوال.. قد يكون صحيحا فى حالات معينة، ولكنه ليس صحيحا فى كل الحالات، وبالتالى لا ينبغى أن يكون قانونا عاما أو قاعدة عامة”.

وتابع:” وهكذا نجد فى النهاية حتى فى الأمراض المحكومة بجينات متنحية لا تفضيل لزواج الأقارب على زواج الأباعد، ولا لزواج الأباعد على زواج الأقارب.. ولو كان فى زواج الأقارب ضرر أكيد ما أحله الله تعالى لرسوله، وأشار إليه صراحة فى الزواج من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته.. ولكن إذا ثبت شيء من ذلك بالتحاليل الطبية أو الكشوفات والأشعات، أو بمعرفة الجينات الوراثية وطبيعة المرض ونحو ذلك، وأوصى الأطباء بالمنع من الزواج من القريبة فى صورة مخصوصة، وليست قاعدة عامة – فلا حرج فى ترك نكاح هذه المرأة القريبة بعينها .

أما أن يتخذ ذلك قاعدة عامة، ينهى بها عن كل نكاح الأقارب، خشية الأمراض الوراثية المتوهمة، فهذا تصرف غير صحيح.

وترى دكتور رشا منصور حامد رئيسة مجلس إدارة جمعية أبطال التحدى أن انتقال الصفة الوراثية المتنحية قد يستمر من جيل إلى جيل دون التقاء زوجين يحملان الجين نفسه المسبب للمرض، فإذا تزوج شخص من ابنة عمه، وكان لهما عم مصاب بمرض وراثى متنحٍّ نادر مثل مرض “الفينيل كيتونيوريا” – أحد أمراض التخلف العقلى- فإن نسبة ظهور المرض فى أبنائهم تكون 1/36 وهذه النسبة ليست بالخطورة التى يتصورها البعض .

زواج الأقارب لا يتسبب فى الإعاقة الذهنية فقط

يرى دكتور أحمد حسين أخصائى الأمراض العقلية أن زواج الأقارب من أهم أسباب التخلف العقلى، ويُعتبر كرموسوم “x” الهش أهم سبب وراثى للتخلف بعد مرض “داون”، بل قد يكون أهم منه؛ لأن احتمال تكراره فى الأسرة أكثر من مرض “داون” بسبب انتقاله من الأم التى تحمل المرض – وقد لا تظهر عليها الأعراض- إلى 50% من أبنائها الذكور، بينما 50% من بناتها الإناث حاملات للمرض. هذا بالإضافة إلى أمراض أخرى مثل أنيميا البحر الأبيض المتوسط، وحامل هذا المرض لا تظهر عليه الأعراض، ولكن يمكننا التأكد من التشخيص بإجراء تحاليل متخصصة مثل الفصل الكهربائى للهيموجلوبين. وهناك أيضًا أمراض اختلال التكوين الجنسى، ويتم اكتشافها أحيانًا فى الشهور الأولى عند ملاحظة عدم اكتمال تكوين الأعضاء التناسلية وصعوبة تحديد نوع الجنين، وأحيانًا يُكتشف عند تأخر الطمث عند الإناث أو البلوغ عند الذكور، وتتمثل أهم أنواع الاختلال الجنسى فى الإصابة بمرضين متعلقين بالخنوثة هما التخنث الذكرى الكاذب (الخنوثة الكاذبة الذكورية)، والتخنث الأنثوى الكاذب (الخنوثة الكاذبة الأنثوية) والتخنث الحقيقى، وهناك أيضًا مرض “تيرنر” ويتسبب فى عدم حدوث الطمث، وتولد الأنثى المصابة به صغيرة الحجم، ولا يحدث نمو للثديين ولا تنجب حتى لو حدث طمث بعد العلاج بالهرمونات. إضافة إلى مرض “كلَينفلتر”، الذى يُعَد من أهم أسباب العقم عند الرجال. وكذلك أمراض القلب والدم لكن هذه الأمراض تحتاج لمتخصصين للتحدث عن تفاصيل انتقالها للجنين”، وهذا عكس الاعتقاد الخاطئ عند أغلب الناس أن زواج الأقارب له دور فى نقل الإعاقة العقلية فقط للأبناء.

حالات زواج الأقارب عانت من إنجاب أطفال ذوى إعاقة ذهنية

التقى “بطل الحكاية” فوزى غبريال الذى لديه ابن من ذوى الإعاقة الذهنية، حيث أكد أن ابنه رومانى يعانى من تأخر ذهنى بسيط مصاحب بصعوبة فى التكلم لكنه يتعامل بشكل شبه طبيعى مع أسرته ويفهم إلى حد ما الكلام الموجه إليه ويحاول تفسيره وتحليله لكن بالطبع ليس بالشكل الطبيعى المتعارف عليه عند باقى الناس.

وأوضح والد رومانى أن نجله على هذه الحالة منذ ولادته وأنه ليس الأول فى الأسرة بل إنه كان له أخ يكبره بخمس سنوات يسمى مينا وكان يعانى من نفس الإعاقة الذهنية التى أصابت رومانى، لكنه توفى منذ سنوات.

وعن رحلة أبنائه مع الإعاقة وهل لجأ للطب، قال إنهم ليسوا بميسورى الحال، ولا يستطيعون تحمل تكاليف الأطباء، موضحا أنه وزوجته أبناء عمومة وأن البعض أخبره أنه قد يكون سببا منطقيا أن يكون زواج الأقارب سببا فى هذه الإعاقة التى أصابت رومانى ومن قبله مينا.

أما ابراهيم رضا البالغ من العمر 66 سنة فيعيش برفقة أبنائه الثلاثة المصابين بإعاقة ذهنية وحركية، ويقول: “زواجى من ابنة عمتى كان سبباً رئيساً فى إنجابنا لأبناء من ذوى الاحتياجات الخاصة، نحن أمّيون ولا نعرف شيئاً ولم نتخذ الإجراءات الطبية اللازمة”.

يُضيف إبراهيم فى السياق ذاته، “لم نكن نعرف أنا وزوجتى تداعيات زواج الأقارب على الأبناء”. توفيت زوجة ابراهيم قبل ثلاث سنوات، ليتحمّل بمفرده مسؤولية أبنائه الثلاثة، ومنذ وفاة زوجته، تضاعفت معاناته، قائلا:”أنا المسؤول الوحيد عن رعايتهم، لأنهم لا يستطيعون التحرك، أحملهم على كتفى وأضعهم على الكرسى المتحرك لأطعمهم.. أنا كل شىء بالنسبة لهم”.

الحال ليس مختلفا لدى ام إسلام المرأة البسيطة أم لطفل وحيد هو إسلام، الذى يعانى إعاقة ذهنية وجسدية، وتقول: “خلال فترة الحمل، لم أقصد طبيباً، ولم أكن على دراية بأنه من المفترض أن أجرى فحوصات”. ويمضى إسلام البالغ من العمر سبع سنوات وقته ممددا على السرير، لعدم قدرته على الحركة.

وأوضحت أنها ووالد ابنها أبناء عم، قائلة:”تحث تقاليد العائلة على الزواج من داخل العائلة، فالزواج برجل من خارج العائلة يُعدُّ أمراً مرفوضاً”. معتبرةً أنّ هذه التقاليد والعادات التى ترفض زواج الفتاة من خارج العائلة، سببا رئيسا فى عجز ابنها، مشيرة إلى أن زوجها يعايرها لأنه يعتقد أنه سليم وأنها هى من تسببت فى إعاقة الابن.

حال إسلام يتشابه كثيرا مع حمادة محمد حسن صاحب الـ 33 عاما الذى يعانى من تأخر ذهنى، حيث كان نموه طبيعيا ولكن بعد عامين ونصف من ولادته لاحظ والداه أنه يتحدث بصعوبة جدا وكلامه قليل وغير مفهوم، مقارنة بغيره من الأطفال فى ذلك الوقت عاشت أسرته معاناة ومأساة بلغت خمس سنوات كامله لمحاولة إيجاد الشفاء له ودمجه فى المجتمع وبعد فترة طويله من تناوله العلاج رغم إعاقته بالقصور فى العقل أصبح ينطق بالكلام ويتحدث جيدا .

وكشف محمد حسن والد حمادة أنه تربطه صلة قرابة بزوجته، معتبرا أن هذه الإعاقة قدر من عند الله وأن زواجه من والدة حمادة كان بالاتفاق مع عمه قبل أن يتم عامه الـ 13 وان من طبيعة أهل القرية كباقى قرى مصر أن يكون القريب أولى وعلل أن أغلب أهالى القرية يفضلون زواج الأقارب، وجميعهم تقريباً لديهم العديد من الأولاد والبنات بشكل طبيعى لا يعانون من أى مرض أو إعاقة، قائلا:” فى الأول والأخير هذا اختبار من عند الله وأنا صابر وراضى بأمر الله”.

ومن جانبه، يقول عبد العزيز سيد والد حالتين من الإعاقة الذهنية، أحمد وعمر إنه عند ولادة أحمد الابن الأكبر كان لا يظهر عليه أى ملامح تشير إلى إصابة نجله بالتأخر الذهنى وكان هذا قبل أن يتم شهره الثانى، لكن بعد ذلك ظهرت عليه المؤشرات بشكل متوالى بداية من تأخر الوقوف مرورا بتأخر القدرة على الجلوس نهاية بضعف فى السمع كل هذه المؤشرات ظهرت عليه ولكن مع عدم الدراية وقلة الخبرة لم يخطر ببالى أو ببال الأم أنه يعانى من إعاقة أو شىء مختلف عن باقى الأطفال إنما هذه الأعراض قد تكون طبيعية ومع الوقت سيكتسب ابنى المهارات التى يفتقدها الآن، ولكن للأسف الشديد كان الوقت يمضى ولا تتحسن حالته بل تشتد سوء حتى وصل لعمر عامين وهو يعانى من صعوبة فى التكلم وصعوبة فى القدرة على السمع وصعوبة فى الفهم والاستيعاب.

وتابع عبد العزيز:”لم نذهب به إلى طبيب حتى ذلك الوقت ولعل ذلك ليس بسبب الإهمال الزائد بحالة أحمد إنما يرجع الأمر أيضا لضعف الإمكانيات الطبية فى ذلك الوقت، فالقرية التى كنا نعيش بها كانت تفتقر للأطباء المتخصصين فى هذه الحالات لكن بعد أن بدأت حالة أحمد فى التدهور وكان هذا بعد بلوغه عامه الرابع.. اضطررنا للسفر به لأطباء داخل وخارج المنيا فعرفنا حالته وإنه مصاب بتأخر عقلى وأنه يحتاج لمعاملة خاصة فى التربية والتعامل معه يكون بحذر شديد”.

وتابع الأب قائلا:” أما بالنسبة لحالة عمر فأكمل عامه الـ16 منذ شهرين.. وولد عمر بإعاقة ذهنية مثله مثل أخيه، ولكن الفارق هنا هو الاهتمام الذى قمنا به فى حالة عمر، فمنذ الشهور الأولى وقبل أن يظهر عليه أى حالات ذهبنا به لأطباء لمعرفة إن كان به أى شىء غير طبيعى فيتم علاجه مبكراً ولكن نظرا لصغر سنه لم يظهر عليه أى اختلاف، ولكننا قررنا أنا وأمه أننا لن نطمئن بعد رأى الطبيب، وأننا يجب أن نكرر الاستعانة بالأطباء مرة أخرى حتى ولو لم يظهر عليه أى مؤشرات، خصوصا وأن فى وقتها كان قد تقدم الطب وتنوعت التخصصات، الأمر الذى كان يمثل صعوبة شديدة فى حالة أحمد، ولكن فى ذلك الوقت أصبح الأمر أكثر سهولة.

وقال عبد العزيز: “كنا ننتظر ظهور الحالات على عمر، وكأننا متيقنين بأنه سيصاب بإعاقة ذهنية، نظرا لتعلق حالة أخيه بذاكرتنا، ولسبب وجود صلة القرابة بينى وبين أمه، الأمر الذى كان لا يمثل قلقا عند الزواج، ولكن مع مرور الزمن وتطور الطب ووجود أحمد كمثال حى عرفنا أن لهذا الأمر سببا أو جعله الله سببا لولادة أحمد بإعاقة ذهنية وانتظرنا أن نتأكد من حالة عمر بنفس الإعاقة، وكما هو متوقع ظهرت الأعراض نفسها على عمر، فتأخر فى القدرة على الجلوس وتأخر فى القدرة على الحبو والمشى، ولكن الفارق أنه كان تحت إشراف طبيب متخصص، كنا نكشف له أسبوعيا، وكان يكتب لنا العلاج الذى يجب أن يمشى عليه، وبفضل الله أستطاع أن يمشى بعدها بفترة ليست بالطويلة.. كان يعانى عمر من صعوبة فى الفهم والاستيعاب مثله مثل أخيه مصحوبا بصعوبة تكلم، ولكن كان يتم عرضه على أطباء متخصصين فى التخاطب، وكان هذا قبل أن يكمل عامه الثالث واقترح الأطباء ضرورة التحاقه بمدرسة خاصة بالتأخر الذهنى وسرعان ما ألحقناه بالمدرسة الأمر الذى أصبح فى المتناول.. لا سيما وإننا انتقلنا للعيش فى المدينة نظرا لطبيعة عملى، وبعد التحاق عمر بالمدرسة ومتابعته مع الأطباء تحسنت حالته تدريجياً وتحسنت قدرته على التكلم بعد أن كان يعانى من صعوبة فى التفوه بأى حرف.

وأرجع والد أحمد وعمر إعاقة ابنيه لصلة القرابة التى تربط بينه وبين ووالدتهما، حيث كشف عبد العزيز أنه تزوج من ابنة عمه الوحيد وكان ذلك بسبب أنه كان يعمل مع عمه وكان يعتبره مثل أبيه وأن عمه زوجه ابنته ليكون سندا وعونا لابنته بعد مماته، موضحا أن زواج الأقارب منتشر بشكل كبير وخاصة فى القرى لكن إن كان الطب أوضح أنه سبب لتوريث الأمراض للأطفال فيجب أن يتوقف وأن يكون هناك من يكشف ويوضح للناس خطورة هذا الأمر فمهما كان من مميزات لزواج الأقارب ليس هناك أهم أو أغلى من الأبناء.

ومن جانبها تروى أم ميرنا تفاصيل حالة ابنتها التى تعانى من إعاقة ذهنية، وتقول “العائلة كلها زواج أقارب، وميرنا ليست الحالة الوحيدة، وأن كل أسرة فى العائلة بها طفل لديه إعاقة ذهنية وبعد زيارة العديد من الأطباء وجلسات وأدوية ليس هناك فائدة، الموضوع ليس مقتصرا على الإعاقة الذهنية فى إعاقة فى رجلها، وفى النطق بعض الكلمات صعب أن تنطق.. ميرنا دلوقتى عندها 20 سنة مقدرتش تكمل فى المدرسة بسبب التنمر الذى كانت تتعرض له، فكان آخرها الصف السادس الابتدائى.. أنا أتركها تطلع الشارع وتتعامل حتى أكسر حاجز الخوف من الناس بداخلها.. لكنى أعانى من نظرات الناس الجارحة.. وكأننى كنت سببا..أنا للأسف لم أتعلم بالقدر الكافى الذى يجعلنى أفهم عواقب الجواز من القريب”.

حالات زواج أقارب لم يعانى أبناؤهم من أى إعاقات

على عكس هذه الحالات، أحمد صابر رجل فى عمر الأربعين له ولد وبنت الولد محمد فى الصف الثانى الثانوى والبنت ندى فى الصف الأول الإعدادى ورغم من زواجه من ابنة خالته إلا أن أبناءه لا يعانون أى نقص من الناحية العقلية أو الجسمانية بل على العكس فمحمد على حسب كلام والده متفوق دراسيا وكذلك ابنته شديدة التفوق وعادة ما تصنف من أوائل المدرسة وعلى ذلك فإنه لا يمكن الجزم بأن إنجاب أطفال ذوى الإعاقة هو شىء حتمى ما دام الأبوين من الأقارب لكن لكل قاعدة شواذ ولا يوجد شىء حقيقة مطلقة فى هذه الزاوية إنما هى أقدار من الله أولا وأخيرا.

آراء حول زواج الأقارب بنظرة عامة

أحمد سرى هو أحد الشباب الذين لم يقبلوا بعد على الزواج يرى أن زواج الأقارب له مميزات إضافية منها يضمن الزوجان توافر المعلومات عن بعضهما، حيث يملك كل طرف من أطراف العلاقة معلومات كثيرة عن ماضى الطرف الآخر وعن عاداته وسلوكه وطبيعة شخصيته، كما قد تصل المعلومات التى يوفرها الوسط الاجتماعى المشترك إلى أدق تفاصيل الحياة؛ ماذا يحب وماذا يكره، وهذا يسهل عليهم فهم بعضهما البعض دون أخذ وقت طويل لفهم كل منهما الآخر.

محمد فؤاد 34سنة متزوج من ابنة عمه فضل زواج الأقارب عن الزواج من خارج العائلة، معللا أن كثير من الشباب وهو منهم عندما يبلغون سنا معينا أول من يتعلق قلبه بها تكون من العائلة ابنة عمه أو ابنة عمته، وتكون هى حبه الأول وأول من يفكر بها لتشاركه حياته الزوجية نظرا لمعرفته بها وبسلوكها وتربيتها عن قرب منه، كما أن من ناحية الأطفال بما أن الزوجين من بيئة متشابهة إن لم نقل متطابقة، فهما بالتالى يحملان عقلية متقاربة إلى حد بعيد من الناحية التربوية على الأقل، كما أنهما غالباً ينظران إلى القيم الاجتماعية والدينية نظرة متشابهة.

تفادى الإعاقة الذهنية قبل الزواج

وفيما يخص تفادى حدوث الإعاقة الذهنية لأبناء زواج الأقارب، تقول الدكتورة سامية التمتامى رائدة علم “الوراثة البشرية” المقبلين على الزواج يحصلون على شهادة بسلامتهم لإتمام الزواج دون حرص منهم على إجرائها، وعلى مستوى المركز القومى للبحوث، وتحديدًا شعبة الوراثة البشرية، نقوم بعمل شجرة العائلة لكل من الشاب والفتاة، ونسأل عن الأب والأم والأشقاء والجد والجدة والأخوال والأعمام، ويلى ذلك إجراء فحص إكلينيكى كامل على كل أجزاء الجسم، ثم إجراء تحاليل دم وتحليل مرض “الثلاسيميا”، الذى تصل نِسَب إصابة حاملى المرض به بين المصريين إلى حوالى 10%.

وتابعت رائدة علم الوراثة البشرية: “فى حالة اكتشاف أن المقبلين على الزواج حاملين للمرض نصارحهم ونخبرهم بما يجب عليهم فعله قبل الحمل وفى أثناء الحمل، ثم نُجرى دراسةً وتحليلًا للكروموسومات من عينات الدم؛ لأن هذه التحاليل تكشف وجود أى خلل فى عدد الكروموسومات أو تركيبها، مع ملاحظة أن تحليل الكروموسومات لا يعنى دراسة الجينات، كما يعتقد البعض؛ إذ إن عدد الكروموسومات فى كل خلية 46 كروموسومًا يمكن رؤيتها بالفحص الميكروسكوبى بالتكبير إلى ألف مرة، فى حين يبلغ عدد الجينات فى كل خلية حوالى 20 ألفًا ولا يمكن رؤيتها بالميكروسكوب، كما أن تحليل الكروموسومات لا يُظهر إلا العيوب الخاصة بعدد الكروموسومات أو تركيبها وهذه عددها قليل، مقارنة بالأمراض التى تورث نتيجة عيوب فى الجينات دون أن يصاحب ذلك تغيُّر فى الكروموسومات والتى يزيد ما عُرف منها عن 6 آلاف مرض. ومن هنا تأتى أهمية الاستشارة الوراثية وشجرة العائلة، إضافة إلى إجراء الفحوصات.

وأضحت مدى أهمية الاستشارة الوراثية للحد من الأمراض الوراثية، قائلة: “تنتقل الصفات الوراثية -سواء كانت طبيعية أو مرضية- من جيل إلى جيل عن طريق الكروموسومات؛ إذ يحدث إخصاب لبويضة الأم التى تحمل نصف عدد الكروموسومات ونصف الجينات عن طريق خلية ذكرية (حيوان منوي) تحمل نصف عدد الكروموسومات والجينات من الأب، وأى صفة فى الفرد يحددها عاملان وراثيان مصدرهما الأم والأب، ويتحدد ظهور الصفة على نوعها، فإذا كانت سائدةً تظهر بمجرد وجود عامل وراثى فقط، وإذا كانت متنحيةً لا تظهر إلا بوجود عاملين وراثيين يحددان الصفة. وبدراسة طرق انتقال الأمراض الوراثية من جيل إلى جيل تتضح طرق توارثها، وبالتالى تُعرَف احتمالات ظهورها فى الأجيال القادمة.

وفسرت ارتباط زواج الأقارب بالأمراض الوراثية بأن نسبة التطابق فى الجينات بين أى شخصين تكون صفرًا إلا فى حالة التوائم من بويضة واحدة، أى التوائم المتماثلة وتصل نسبة التطابق 100%، ومع انتقال الجينات من الأب والأم إلى الأبناء فإن نسبة التماثل فى الجينات بين الأب أو الأم والأبناء تكون 50%، وتختلف نسبة التشابه فى الجينات وفق درجة القرابة، فهى بين الأشقاء 50% أيضًا، وبين الفرد وجده وخاله وعمه 25%؛ وبين أبناء العم أو الخال 12.5%. ولذلك لا فرق فى خطورة زواج الأقارب بين أولاد العم وأولاد الخال. وهذا التشابه فى الجينات يفسر احتمال تَشابُه الجينات المرضية، مما يسبب ظهور الأمراض الوراثية المتنحية فى أبناء الأزواج الأقارب، فكل فرد طبيعى يحمل ضمن جيناته على الأقل من 5 إلى 6 جينات تسبب ظهور الأمراض الوراثية متنحية، وإذا اجتمعت تلك الجينات لدى الزوج والزوجة يظهر المرض فى الأبناء، وتزيد احتمالات ظهورها فى الزوجين فى حالة الأقارب، وتزداد احتمالات ظهورها وفق درجة القرابة.

رأى الدين فى زواج الأقارب

شرع الله تعالى النكاح، وجعله من سنن المرسلين، وذلك لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، كتكثير الأمة، وخروج العلماء والمجاهدين والصالحين والمتصدقين، وتقوية أواصر الروابط والمحبة بين المسلمين بالنسب والمصاهرة، مع ما فيه من السكن والمودة والرحمة التى تكون بين الزوجين .

ولم تأت آية أو حديث صحيح فى المنع من زواج الأقارب، بل جاءت الأدلة الشرعية بخلاف هذا، وقال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا النَّبِى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِى آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ) (الأحزاب50)

وقد تزوج النبى صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضى الله عنها ، وهى ابنة عمته ، وزَوَّج ابنته فاطمة من ابن عمه على بن أبى طالب رضى الله عنهما ، مما يدل على أنه لا حرج من زواج الأقارب .

وعلى هذا ، فمنع زواج الأقارب ، أو القول بأنه سبب لانتشار الأمراض أو وجود جيل مشوه أو مريض ، كلام غير صحيح .

نعم ، قد يوجد فى زواج الأقارب ـ أو غيرهم ـ ما يسبب شيئاً من ذلك ، ولكنه ليس أمراً غالباً، بل يبقى فى حدود القليل أو النادر .

ويقول الشيخ بن باز إنه لا ينبغى للمؤمن أن يلتفت إلى أقوال الأطباء أو غيرهم فى كل ما يخالف الشرع المطهر، فالشرع مقدم على الأطباء وعلى غير الأطباء.. والزواج من الأقارب أمرٌ مطلوب وفيه فائدة كثيرة فى صلة الرحم، فى تقارب الأقارب، وتعاونهم على الخير، وكثرة النسل فيهم، فلا ينبغى أن يلتفت إلى هؤلاء، لكن من كان من الأقارب سيئ السيرة هذا له بحث آخر، إذا كان سيئ السيرة أو البنت سيئة السيرة، أو هناك أمراض يخشى منها فى نفسه فى الأسرة التى يريد الزواج منها فلا مانع من اختياره غيرها والاحتياط.

أما مجرد النهى عن نكاح الأقارب فهذا خطأ لكونه يدعى أن الزواج من الأقارب أمر مرغوب عنه، فهذا خطأ ومنكر، فقد تزوج النبى ﷺ من أقاربه، ومن بنات عمه، فأم حبيبة بنت أبى سفيان ابنة عمه.

وتابع أن المقصود بأن القول بالتزوج من الأقارب أمرٌ مرغوب عنه هذا قول باطل لا ينبغى أن يلتفت إليه بالكلية إلا لعذر شرعى من سوء السيرة، أو مرض يخشى منه فهذا له وجه.

 

Leave A Reply