- الإعلانات -

محمود عبدالعزيز.. الثائر على وسامته

أصالة وطن

0 526

- الإعلانات -

 

كتبت آلاء مصطفى

 

كان للمخرج الكبير أحمد بدرخان رأيًا في الممثل الذي يجب أن يكون نجمًا سينمائيًا، يمكن اختصار رأي بدرخان ووصفه للنجم المثالي بكلمة واحدة (وسيم)، فوفق رأي أحمد بدرخان لابد أن يكون الممثل ذو جسم وشكل وملامح مثالية ليصلح أن يصبح بطلًا سينمائيًا، ومحمود عبدالعزيز كان وسيمًا، بل إنه حتى كان وسيمًا على نموذج وسامة السبعينات، العيون والشعر الملون، ولكن بعد سنوات أدرك الساحر أن الوسامة مثلما مهدت له الطريق للنجومية، كانت القالب الذي يخنق موهبته ويحجمها، لذلك كان عليه أن يتمرد عليها.

 

في تاريخنا السينمائي العديد من النجوم أصحاب الملامح الوسيمة، بعضهم كان بلا موهبه على الإطلاق، وبعضهم ضاعت موهبتهم في عالم الوسامة، وقلة قليلة من تمردوا على هذا القالب، وربما كان محمود عبدالعزيز هو أكثر الوسماء تمردا على وسامته، فإذا افترضنا أن الساحر كان يريد أن يحتل مساحة فنية أكبر وفقا لموهبته، فيمكننا أن نقسم تلك المساحة إلى أجزاء الجزء الأول هو ما يقف عليه بالفعل، منطقة الشاب الوسيم جميل الطلعة، تلك المنطقة التي شهدت كل أدوار محمود عبدالعزيز في بداياته، وإن ظل أمامه مساحات أخرى من الأرض مغلقة وغير مستغلة، وكان عليه أن يستغلها ولكن كيف؟

 

الإجابة هي التمرد والخروج من القالب، وبداية هذا التمرد جاءت من نقطة يمكن وصفها بأنها غير متوقعة البداية من عند حسام الدين مصطفى.في فيلم وكالة البلح، عام 1982، يبدأ الساحر تمرده على وسامته، حينما يقدم دور عبدون صبي المعلمة الدميم المعتوه والذي يحبها بشغف شديد، ليتفاجأ الجمهور أن الشاب ذو الملامح الجميلة والعيون الملونة، تخلى عنها تمامًا ليقبل الظهور بهيئة رثة في مقابل تقديم دور جديد وجيد يعتمد فيه محمود عبدالعزيز على موهبته فقط.

ومعتمدا على الموهبة فقط وعلى الأدوار غير المتوقعة، وبعيدا عن عالم الوسامة قدم محمود عبدالعزيز عددًا من الأفلام التي رسخت لتمرده، مثل خليل بعد التعديل، جري الوحوش، دنيا عبدالجبار، سوق المتعة، بالإضافة إلى الفيلم الأيقوني في هذه المنطقة التي احتلها الساحر، أبو كرتونة، ولكن من قال أن التمرد على الوسامة يأتي بالتمرد على الشكل فقط.

 

العجوز

 

لم تكن خطوات الساحر في التمرد على الوسامة متعاقبة أو على هيئة مراحل، ولكن عبقرية الساحر وصعوبة تمرده تكون في قدرته على السير في أركان تمرده الثلاثة في الوقت نفسه، فحينما أعلن ثورته على الوسامة شكلًا، أعلن ثورته على السن أيضا، وتلك هي المخاطرة الأكبر، فكيف نراك اليوم كهلًا في فيلم، لتعود شابًا ناضجًا وسيما في الفيلم التالي، وهنا تأتي براعة الساحر.

في البداية -وفي اعتقادي الشخصي- لم يحقق فيلم العذراء والشعر الأبيض ما يريده الساحر في التمرد على السن، في الفيلم قدم صورة الرجل الناضجة أو ما يسمى حاليا بالـ “Sugar Daddy”، ولكن لم يكن هذا هو المطلوب أو المراد من التمرد على السن، بل كان ما يحلم به الساحر ويريده أكبر بكثير، وما يريده حققه بالفعل ولكن عام 1984، في فيلم تزوير في أوراق رسمية.

فإذا نظرنا لفيلم تزوير في أوراق رسمية، نجد أننا أمام مغامرة من نوع خاص خاصها محمود عبدالعزيز وميرفت أمين، الفيلم الصادر عام 1984، يتخلى فيه الثنائي عن شبابهما طوال 2/3 من أحداث الفيلم لصالح الممثل الشاب هشام سليم والمطرب الشاب إيمان البحر درويش، في تجربة كانت تحمل بداخلها جرأة ربما غير مسبوقة على الإطلاق.

 

مع نجاح الفيلم أكتسب محمود عبدالعزيز المزيد من المساحة الفنية، مساحة كان لها أثر كبير على اختياراته، بل وكانت سببًا في تقديمه عددًا من الأفلام الهامة مثل، الطوفان، والبريء، وأبناء وقتلة، لتتحرك موهبة عبدالعزير بحرية أكبر في تلك المساحات التي أكتسبها، ولكن ظل لديه مساحة أخرى هامة هي تلك المساحة التي يريدها بحق، وهي في رأيي المساحة الأكبر والأهم والأبرز، بل المساحة التي جمعت العديد من أركان تمرده داخلها.

 

الشعبي

 

- الإعلانات -

ملامح محمود عبدالعزيز كانت تؤهله بل هي حصرته لفترة في أدوار ليست وسيمة فحسب ولكنها تنتمى لطبقة اجتماعية بعينها، وهي الطبقة الأعلى من المتوسطة، طبقة الثري أو الميسور، ولكن في السينما المصرية نادرا ما يجد الممثل أدوارًا جيده في تلك الطبقة، خاصة مع تغير شكل السينما المصرية في أواخر السبعينات أوائل الثمانينات وإنحيازها حتى في أبسط افلامها لأبناء الطبقة المتوسطة والطبقات الأدنى منها، ذلك التغيير الذي كان يراه عبدالعزيز ويتابعه ليدخل إلى تلك المنطقة من الأدوار، من (خرم إبره).

 

تخيل أن تكون وضيعًا، ولست وضيع بشكل عادي بل وضيع بشكل استثنائي في فيلم استثنائي بداخله عدد كبير من النجوم القادمين بسرعة الصاروخ، فتكون أنت من يقدم الشخصية الأكثر وضاعة في الفيلم، فلا يوجد من هو وضيع أكثر من القواد، وهذا كان مدخل الساحر لأدوار الطبقة الشعبية، من دور صلاح القواد في فيلم درب الهوى.

الدور الذي يعد نقطة من نقاط التحول الهامة في مسيرة الساحر، صحيح أنه قدم شخصية الشاب بسيط الحال في العديد من الأفلام قبل ذلك مثل، الدرب الأحمر، ولكن تلك المرة الأولى التي يكون فيها الساحر من طبقة شعبية وشرير في نفس الوقت، ليكتسب بذلك مساحة شاسعة كانت العماد الأساسي في بناء امبراطوريته الفنية.

 

فمن تلك المنطقة قدم العديد من الأفلام الهامة مثل الصعاليك والحدق يفهم والكيف والشقة من حق الزوجة وسيداتي أنساتي وسمك لبن تمر هندي والجوع ونهر الخوف والدنيا على جناح يمامة وبالطبع فيلمه الأيقوني ودوره الأبرز الكيت الكات، وغيرهم الكثير من الأفلام، كل تلك الأعمال استندت على ثورته وتمرده ضد الوسامة والسن والطبقة التي وضعته فيها ملامحه في بداية مشواره، وكان الساحر محقًا في ثورته، فموهبته تكفي وتؤهله للتحرك بحرية في كل تلك المساحات في آن واحد.

 

المختل

 

ولكن من قال إن التمرد على الوسامة والبطولة السينمائية جاء من خلال الشكل أو السن أو الطبقة الاجتماعية فقط، هناك جانب أخر مهم في تمرد الساحر على وسامته.

التمرد على قالب الشخصية السوية والمتزنة نفسيًا، محمود عبدالعزيز يدرك كغيره من الممثلين، أن شخصية المريض النفسي أو الشخص غير السوي، هي شخصية يكون الممثل فيها مثلًا الذي يسير على حبل بين جبلين، فإما الوصول بأمان إلى الضفة الأخرى من التحدي أو السقوط في هاوية الابتذال والاستسهال.

 

ولأن الممثل الذي تأتيه الجرأة للتمرد على كل ما سبق من قالب شكلي وعمري واجتماعي، بالطبع سيحاول التمرد على الشخصية السوية، أو البطلة، ليقدم شخصيات غير متزنة نفسيًا، ولكن لأن الأمر أصعب بكثير من التمرد شكلي، ولأنه يعشق التحدي كان تمرد محمود عبدالعزيز مثل الانفجار، فهو الذي لم يسير على الحبل بل ركض عليه.

 

لأدري تحديدا أي الأفلام بدأ تنفيذه قبل الأخر ولكن يكفي أن عبدالعزيز قدم خلال عام واحد 3 أفلام بهم شخص غير سوي نفسيًا، بل للغريب أن الثلاثة عرضوا في توقيت مقارب لبعضهم البعض، المعتوه ووكالة البلح في 20 سبتمبر 1982، والعار في 11 أكتوبر من العام نفسه.

في الثلاثة يقدم لنا ثلاثة نماذج مختلفة من الشخص المعتل نفسيًا، فلا تجد أحد يشبه الآخر، في العار الشخص الهش نفسيًا الذي تدفعه الضغوط للخلل النفسي، بينما في وكالة البلح هو ذلك الشخص المعتوه منذ الميلاد المدرك لما هو فيه ولكنه يصارع حب مستحيل، بينما في أقل الأفلام الثلاثة شهرة (المعتوه) يقدم لنا عبدالعزيز الشخص غير المستقر نفسيًا والذي يحب من طرف واحد وحب مستحيل في نفس الوقت ويجعله هذا الحب عاجزا جنسيًا، لتختل قواه النفسية ويقرر الانتقام.

 

ثلاثة أدوار لشخصيات يجمعها الاعتلال النفسي ولا دور يشبه الآخر، ولا حتى في أبسط التفاصيل، لتكتمل ثورة الساحر على وسامته، ويقدم من تلك المنطقة بعدما يمزجها بأخرى أفلام مثل عفوًا أيها القانون، سوق المتعة، نهر الخوف، سكة الندامة، وغيرها من الأفلام وليجد سحره الحقيقي، خارج منطقة الدنجوان.

 

الساحر الذي راهن على موهبته فكسب الرهان بامتياز، ليصبح واحد من أكثر إن لم يكن أكثر أبناء جيله تنوعًا في الأدوار التي قدمها، والأهم أنه سار في كافة الخطوط في نفس الوقت، فمن البطل الوسيم للدميم ومن الشاب للعجوز ومن البطل الشعبي المرح الكوميدي للشرير الوضيع ومن الشخص السوي إلى المختل، لم يترك الساحر بابًا إلى وطرقه بعصاه السحرية فترك فيه أثرًا، لينتصر بعد أعوام وأعوام على رأي أحمد بدرخان في الممثل السينمائي ويثبت خطأ نظريته، وكأنما يقول له (عزيزي واستاذنا أحمد بدرخان/ ليس الممثل هو الشخص جميل الشكل والملامح ولكن الممثل هو صاحب الموهبة الواسعة الفضفاضة، تلك الموهبة التي تدفع حتى أصحاب الوسامة لكسر هذا القالب والتمرد عليه والخروج عنه لتقديم أدوار متنوعة ومختلفة)

Leave A Reply